زميل لي ذهبت لأحضره ..
من المكان الذي .. تقف عنده سيارات الأجرة والتي تقل المسافرين برا انطلاقا منها وعودة إليها ..
ويسمى في العرف ( الموقف ) ..
لاشك سررت بمقدمه وأن أذهب وأحمل معه حقائبه ونعود به إلى حيث يسكن في المدينة النبوية ..
سرت في الشارع الممتلئ بالناس بُعَيْد صلاة العشاء ..
وهو وقت ذروة للازدحام ..
وأيضا وقت تهور للأسف من بعض الشباب الذين يبدأ يومهم من بعد صلاة العشاء أو قل من بعد الثامنة والنصف..
لأن كثيرا منهم لا يعترف بالصلوات هداهم الله ..
فيهيجون بسياراتهم في الشوارع ..
كالثور إذا وضع أمامه القماش الأحمر .. في حلبة الثيران .. !!
يسير ولا يبالي ..
هكذا بالضبط .. وبنفس هذا التصور هو ما رأيته فيما ستقرؤونه ..!!
أسير في المسار الأيمن ( الذاهبين ) ويفصل بيني وبين الطريق الآخر ( القادمين ) رصيف كعادة شوارعنا العامة
والرئيسية ... وأنا سائر وإذا بالطريق الذي بجواري خالي تماما !!
غريبة في وقت الذروة .. ويخلوا من أي سيارة .. ولا يوجد ولا أي سيارة !! عجيب !!
تتبعت بعيني أصل الطريق .. لأجد سيارة واقفة .. في أول الشارع ولضيق المسار .. توقفت السيارات خلف هذا المتوقف
العجيب أنه لم يخلد في ذهني – كحالكم تماما – ما رأيته ولم أتوقعه والذي جعلني أضع بغير مبالغة يدي على رأسي !!
وأنا سائر بالسيارة .. حتى حاذيت الحادث وتجاوزته .. وأنا أعض أسناني وأردد يالله يالله !!
آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه ... !!
مرت علي حوادث ولكن ببشاعة هذا الحادث لم أتوقع ... !!
تخيلتم معي شيئا ..!!
لم أتوقع أن هذا الشاب الذي انسلخ من معاني المسئولية ... أن يهيج بسيارته (الفورد)
ليقضي على ( بنت ) أو قل بنية ..
لم تتجاوز حتما الرابعة أو السادسة والسادسة كثير ..
كانت تمشي مع والديها والذي يظهر أنهم ليسوا من الخليج .. ربما من مصر أو غيره ..
أسرة وكوكبة متواضعة .. أجبرتها الظروف أن تتنقل على أقدامها بدون سيارة تكفيهم همجية السائقين ..
أب وأم وطفل تحمله هذه الأم .. والضحية البنت ..
أربعة .. وكلي خوف ألا يبيتوا ليلتهم وقد أصبحوا ثلاثة !!
اقتربت من موضع الحدث لأجد الأب قد جرى بكل ما آتاه الله من قوة وحمل ابنته ..
وهي كالميتة إن لم تكن قد ماتت بين يديه .. !!
قد تدلى شعرها .. على ذراع أبيها وقدميها من على ذراعه الأخرى ..
وانطلق إلى سيارة الشاب فأقلهم ودخل الأب من الباب الخلفي وتبعته ..
الأم الرحيمة .. التي ترى فلذة كبدها ..
وهي تموت أمام عينيها ولا معين .. !!
لحظات لا يعرفها إلا من عاش فصولها والحمد لله .. على كل حال ..
كيف لو رأيتم هذه الأم وهي تصيح في الشارع بأعلى صوتها وقد بكى طفلها هلعا من شدة الصوت ..
وهي لا تدري أتلقي بطفلها وتنطلق لابنتها أم تحافظ على هذا الذي لا يزال في حوليه !!
منظر مفزع .. وجرح غائر ..
وضعت يدي على رأسي وأنا داخل السيارة وعضت أسناني بعضها وأنا أقول يا الله يا الله .. !!
كل هذه المأساة لم تتجاوز الخمس عشرة ثانية كما عشتها وأنا سائر بسيارتي ..
ولكنها خمس عشرة سنة ... في عبرها وعبرتها ..
أسأل الله أن يعيد الابتسامة .. لهذه الطفلة .. البريئة والتي لم يرحمها همجية الشباب ..
كلي أمل أن نحرص حين قيادتنا ..
وان نحرص أثناء تجاوزنا الشارع ..
لاسيما وإن كان معنا أطفال ..
فهذه الأسرة كانت تقرأ كما تقرأ أنت الآن عن الحوادث كقصص من الخيال ..
ولم تتخيل أنها ستكون قصة مأساة .. !!
فاحذر أن تصبح في الغد ..
أنت الضحية .. !!
لا أرانا الله وإياكم مكروها ..